فصل: القاعدة الخامسة: في المشترك ودلالته:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: علم أصول الفقه



.3- المجمل:

لمراد بالمجمل في اصطلاح الأصوليين: اللفظ الذي لا يدل بصيغته على المراد منه، ولا يوجد قرائن لفظية أو حالية تبينه، فسبب الخفاء فيه لفظي لا عارض.
فمن مجمل الألفاظ التي نقلها الشارع عن معانيها اللغوية ووضعها لمعان اصطلاحية شرعية خاصة، كألفاظ الصلاة والزكاة والصيام والحج والربا، وغير هذا من كل لفظ أراد به الشارع معنى شرعياً خاصاً لا معناه اللغوي.
فإذا ورد لفظ منها في نص شرعي كان مجملاً حتى يفسره الشارع نفسه. ولذا جاءت السنة العملية والقولية بتفسير الصلاة وبيان أركانها وشروطها وهيئاتها، وقال الرسول: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وكذلك فسر الزكاة والصيام والحج والربا وكل ما جاء مجملاً في نصوص القرآن.
ومن المجمل اللفظ الغريب الذي فسره النص نفسه بمعنى خاص، كلفظ القارعة في قوله تعالى: {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4)} [القارعة: 1- 4]، ولفظ الهلوع في قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)} [المعارج: 19- 21].
ومن المجمل في نصوص القوانين الوضعية كلمة أصل الأوقاف الواردة بالمادة (16) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية، فإن الشارع أراد بها معنى أجمله ولم يفصله، ولذا ظل السنين العديدة مثار الخلاف بين الهيئات القضائية في مصر حتى فصلها الشارع المصري بعض التفاصيل في الفقرة 2 من المادة 28 من لائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة الصادرة في سنة 1927 ونصها: (كذلك لا تخص المحاكم المختلطة بالمنازعات المتعلقة مباشرة أو بالواسطة بأصل الوقف أو بصحته أو بتفسير أو تطبيق بعض شروطه أو بتعيين النظار وعزلهم).
وكلمة الأحوال الشخصية الواردة في عبارة: (وغير ذلك مما يتعلق بالأحوال الشخصية في المادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية)، فإن المراد منها مجمل فسره الشارع المصري أخيراً في المادة 2 من القانون رقم 91 سنة 1938م لتي بينت المراد من الأحوال الشخصية.
وكلمات ضبط الإشهادات وكتابة سنداتها وتسجيلها الواردة في المادة 363 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، ولهذا فسر الشارع كل كلمة منها بمادة.
فكل لفظ لا يفهم المراد منه بنفسه بسبب وضعه لغة لأكثر من معنى إذا حفت به قرائن يمكن أن يتوصل بها إلى تعيين المراد منه فهو المشكل.
وكل لفظ لا يفهم منه المراد بنفسه إذا لم تحف به قرائن يتوصل بها إلى فهم المراد منه فهو المجمل.
فسبب إجمال اللفظ إنا كونه من المشترك الذي لا تحف به قرينة تعين أحد معانيه، أو إرادة الشارع منه معنى خاصاً غير معناه اللغوي، أو غرابة اللفظ وغموض المراد منه.
والمجمل بأي سبب من هذه الأسباب الثلاثة لا سبيل إلى بيانه وإزالة إجماله وتفسير المراد منه إل بالرجوع إلى الشارع الذي أجمله، لأنه هو الذي أبهم مراده ولم يدل عليه لا بصيغة لفظية ولا بقرائن خارجية، فإليه يرجع في بيان ما أبهمه.
وإذا صدر من الشارع بيان للمجمل ولكنه بيان غير واف بإزالة الإجمال صار به المجمل من المشكل، وفتح الطريق للبحث والاجتهاد لإزالة إشكاله، ولم يتوقف بيانه على الرجوع إلى الشارع، لأن الشارع لما بين ما أجمله بعض التبيين فتح الباب للبيان بالتأمل والاجتهاد. ومثال ذلك الربا، ورد في القرآن مجملاً وبينه الرسول بحديث الأموال الربوية الستة، ولكن هذا البيان ليس وافياً لأنه لم يحضر الربا فيها، وبهذا فتح الباب لبيان مت يكون فيه الربا قياسا على ما ورد في الحديث. ولفظ أصل الوقوف ورد في القانون مجملاً، وبينه الشارع في الفقرة 2 من المادة 28 المشكل، وفتح الطريق لبيانه بالاجتهاد.

.4- المتشابه:

المراد بالمتشابه في اصطلاح الأصوليين: اللفظ الذي لا تدل صيغته بنفسها على المراد منه، ولا توجد قرائن خارجية تبينه، واستأثر الشارع بعلمه فلم يفسره.
والمتشابه بهذا المعنى ليس في النصوص منه شيء، فلا يوجد في آيات الأحكام أو أحاديث الأحكام لفظ متشابه لا سبيل إلى علم المراد منه، وإنما يوجد في مواضع أخرى من النصوص مثل الحروف المقطعة في أوائل بعض السور: {الم} [البقرة: 1]، {ص} [ص: 1]، {حم} [غافر: 1]، ومثل الآيات التي ظاهرها أن الله يشبه خلقه في أن له يداً وعيناً ومكاناً، مثل قوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10]، وقوله: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} [هود: 37]، وقوله: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7]، فالحروف الهجائية المقطعة في أوائل بعض السور لا تدل بنفسها على المراد منها، ولم يفسر الله ما أراده منها فهو أعلم بمراده. وكذلك الآيات الموهم ظاهرها تشبيه الخالق بخلقه لا يمكن أن يفهم منها معنى ألفاظها اللغوية، لأن الله سبحانه منزه عن اليد والعين والمكان وكل ما يشبه خلقه، فليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ولم يبين الشارع ما أراد منها فهو أعلم بمراده. هذا هو رأي السلف في معنى المتشابه، فهم يفوضون إلى الله علمه ويؤمنون به ولا يبحثون تأويله. وأما رأي الخلف في أن هذه الآيات ظاهرها مستحيل، لأن الله لا يد له ولا عين ولا مكان، ويراد به معنى يحتمله اللفظ ولو بطريق المجاز، وليس فيه تشبيه الخالق بخلقه. فقوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10]، تأويله: قدرة الله فوق قدرتهم، وقوله: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} [هود: 37]، واصنع الفلك برعايتنا وإحاطتنا، وقوله: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ} [المجادلة: 7]، وتأويله: أنه سبحانه مع كل من يتناجون بعلمه وإحاطته وهكذا.
ومنشأ هذا الخلاف اختلافهم في قوله تعالى في شأن المتشابهات: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]، فمن جعل الوقف على لفظ الجلالة قال لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله، فنؤمن به ونفوض علمه له ولا نبحث في تأويله، ومن جعل الوقف على: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7]، قال: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}، فهم يعلمون تأويله بإرادة معنى يحتمله اللفظ، ويتفق وتنزيه الخالق عن مشابهة خلقه.
والذي يظهر لي أنه الحق: هو تفسير المتشابهات في القرآن بالمتشابهات أي المحتملات التي يكون احتمالها مجالاً للاختلاف في تأويلها، وهي تقابل المحكمات التي أحكمت عباراتها وحفظت من الاشتباه واحتمال التأويل. فعلى هذا ليس في القرآن ما لا سبيل إلى علم المراد منه، وإنما فيه ألفاظ تدل على المراد منها بنفسها من غير اشتباه ولا احتمال للتأويل والاختلاف، وفيه ألفاظ تدل على معنى ويحتمل أن يراد منها غيره، وهذه مجال البحث والاجتهاد لإزالة الاحتمال وتعيين المراد، وفيه ألفاظ لا تدل على المراد منها بنفسها ولكن أحاطها الشارع بقرائن أو ألحقها ببيان يفسر ما أراد منها، لأن الله انزل القرآن للتدبر والذكر فكيف يكون في آياته ما لا سبيل إلى فهمه مطلقاً؟! والمقطعات في أوائل بعض السور ذكرت للدلالة على أن القرآن الذي أعجز الناس هو مكون من حروفهم وليس من حروف أخرى غريبة عنهم، ولهذا يرى أن أكثر السور المبدوءة بهذه المقطعات فيها ذكر الكتاب بعد سرد هذه الحروف.

.القاعدة الخامسة: في المشترك ودلالته:

(إذا ورد في النص الشرعي لفظ المشترك، فإن كان مشتركاً بين معنى لغوى ومعنى اصطلاحي شرعي، وجب حمله على المعنى الشرعي، وإن كان مشتركاً بين معنيين أو أكثر من المعاني اللغوية وجب حمله على معنى واحد منها بدليل يعينه، ولا يصلح أن يراد بالمشترك مهنياه أو معانيه معاً).
هذه القاعدة الخامسة والقاعدتان السادسة والسابعة الآتيتان خاصة ببيان الألفاظ الثلاثة التي ترد كثيراً في النصوص الشرعية والقوانين الوضعية، وهي اللفظ المشترك، واللفظ العام، واللفظ الخاص، وبيان ما يدل عليه كل واحد منهما إذا ورد في النص.
والفرق الجوهري بين هذه الألفاظ الثلاثة من حيث المغنى:
أن المشترك لفظ وضع لمعان متعددة بأوضاع متعددة: كلفظ السنة وضع للهجرية وللميلادية، ولفظ اليد اليمنى واليسرى، ولفظ القرش للعشرة مليمات والخمسة.
وإن العام لفظ وضع لمعنى واحد، وهذا المعنى الواحد يتحقق في أفراد كثيرين غير محصورين في اللفظ وإن كانوا في الواقع محصورين، أي أنه بحسب وضعه اللغوي لا يدل على عدد محصور من هذه الأفراد، وإنما يدل على شمول جميع هذه الأفراد كلفظ الطلبة يدل على معنى يتحقق في أفراد غير محصورين ويشملهم جميعاً.
وإن الخاص لفظ لمعنى يتحقق في فرد واحد أو أفراد محصورين كلفظ محمد أو الطالب، أو الطلاب العسرة، أو مائة أو ألف.
فالاشتراك يتحقق بتعدد المعاني التي وضع لها اللفظ بأوضاع متعددة. والعموم يتحقق بدلالة اللفظ على شمول جميع الأفراد التي يصدق عليها من غير حصر. والخصوص يتحقق بدلالة اللفظ على الفرد أو الأفراد المحصورين التي يصدق عليها من غير شمول.
فاللفظ المشترك، وهو ما وضع لمعنيين أو أكثر بأوضاع متعددة، يدل على ما وضع له على سبيل البدل، أي يدل على هذا المعنى أو ذاك، كلفظ العين وضع في اللغة للباصرة، ولعين الماء النابع، وللجلوس. ولفظ القرء وضع في اللغة للطهر، وللحيض. ولفظ السنة، ولفظ اليد.
وأسباب وجود الألفاظ المشتركة في اللغة كثيرة، وأهمها اختلاف القبائل في استعمال الألفاظ للدلالة على معان، فبعض القبائل تطلق اليد على الذراع كله، وأخرى تطلق اليد على الساعد والكف، وأخرى تطلقها على الكف خاصة، فنقلة اللغة يقررون أن اليد في اللغة العربية لفظ مشترك بين المعاني الثلاثة. ومنها أن يوضع اللفظ على سبيل الحقيقة لمعنى، ثم يستعمل في غير ما وضع له مجازاً، ثم يشتهر استعمال هذا اللفظ في المعنى المجازي حتى يتناسى أنه مجازي، فيقرر علماء اللغة أن اللفظ موضوع لهذا ولهذا: كلفظ السيارة، ولفظ الدراجة، ولفظ المسرة. ومنها أن يوضع اللفظ لمعنى ثم يوضح اصطلاح شرعي أو قانوني لمعنى آخر، كلفظ الصلاة أو لفظ الدفع.
وأيا كان سبب وقوع الاشتراك في الألفاظ لفة فإن الألفاظ المشتركة بين معينين أو أكثر ليست قليلة في اللغة، وواردة في النصوص الشرعية من آي القرآن وأحاديث الرسول، وهي كما قدمنا من باب المشكل ما دامت توجد قرائن يتوصل بها إلى ترجيح أحد المعاني، وعلى المجتهد أن يزيل إشكالها ويعين المراد من كل لفظ منها إذا ورد في نص شرعي.
والمشترك قد يكون اسماً كما مثلنا، أو فعلاً كصيغة الأمر للإيجاب وللندب، أو حرفا مثل الواو للعطف وللحال.
فإذا كان اللفظ المشترك الوارد في النص الشرعي مشتركاً بين معنى لغوي ومعنى اصطلاحي شرعي. فلفظ الصلاة وضع لغة للدعاء، ووضع شرعاً للعبادة المخصوصة، ففي قوله تعالى: {أَقِيمُواْ الصَّلاةَ} [الأنعام: 72]، يراد منه معناه الشرعي وهو العبادة المخصوصة لا معناه اللغوي وهو الدعاء. ولفظ الطلاق وضع لغة لحل أي قيد، ووضع شرعاً لحل قيد الزوجية الصحيحة، ففي قوله تعالى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229]، يراد منه معناه الشرعي لا اللغوي.
وهكذا كل لفظ مشترك بين معنى لغوي ومعنى شرعي إذا ورد في نص شرعي، فمراد الشارع منه معناه الذي وضعه له، لأنه لما نقل هذا اللفظ عن معناه اللغوي إلى المعنى الخاص الذي استعمله فيه، كان اللفظ في لسان الشارع الدلالة على ما وضعه الشارع له.
وكذلك في نصوص القوانين الوضعية إذا كان اللفظ الوارد في النص له معنيان: معنى في اللغة ومعنى في الاصطلاح القانوني، وجب أن يراد به معناه القانوني لا اللغوي لسبب الذي بيناه، فلفظ الدفع ولفظ الحلول وغيرهما، يراد بها المعنى القانوني لا المعنى اللغوي، وكذا لفظ الضبط، ولفظ التسجيل.
وإذا كان اللفظ المشترك الوارد في النص الشرعي مشتركاً بين عدة معان لغوية، وجب الاجتهاد لتعيين المعنى المراد منها، لأن الشارع ما أراد باللفظ إلا أحد معانيه، وعلى المجتهد أن يستدل بالقرائن والأمارات والأدلة على تعيين هذا المراد.
فلفظ القرء في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة: 228]، مشترك بين الطهر والحيض، وقد بينا في الكلام على المشكل ما استدل به بعض المجتهدين على أن المراد به الطهر، وما استدل به آخرون على أن المراد به الحيض.
ولفظ اليد في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [النساء: 38]، مشترك بين الزراع (من رءوس الأصابع إلى المناكب)، وبين الكف والساعد (من رءوس الأصابع إلى المرافق)، وبين الكف (من رءوس الأصابع إلى الرسغين)، وبين اليمنى واليسرى، وقد استدل جمهور المجتهدين بالسنة العلمية على تعيين المراد منها في الآية، وهو المعنى الأخير أي من رءوس الأصابع إلى الرسغين في اليمنى.
ولفظ الكلالة في قوله تعالى: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ} [النساء: 12]، يطلق لغة على من لم يخلف ولداً ولا والداً، وعلى من ليس بولد ولا بوالد من المخلفين، وعلى القرابة من جهة غير الولد والوالد. وقد استدل جمهور المجتهدين باستقرار آيات التوريث على تعيين أن المراد في الآية هو المعنى الأول.
ولفظ الواو في قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]، ومشترك، يستعمل للعطف ويستعمل للحال، فإن أريد به هنا الحال كان النهي وارداً على ما لم يذكر اسم الله عليه، والحال أنه فسق، أي ذكر عليه حين ذبحه اسم غير الله، وإن أريد به العطف كان النهي وارداً على ما لم يذكر اسم الله عليه مطلقاً، سواء ذكر عليه حين الذبح اسم غير الله أم لم يذكر.
والمجتهدون انقسموا في تعيين المراد منها في الآية إلى رأيين، ولكل وجهة.
ولا يصح أن يراد باللفظ معنيان أو أكثر من معانيه معا، بحيث يكون الحكم الذي ورد في النص متعلقً وقت واحد بأكثر من معنى، لأن اللفظ ما أراد به الشارع إلا معنى واحد من معانيه، ووضعه لمعان متعددة إنما هو على سبيل البدل، أي أنه إما أن يدل على هذا أو ذاك. فأما دلالته على هذا وذاك في وقت واحد، فهو تحميل اللفظ ما لا يدل عليه لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز، فلا يصح أن يراد بالقرء في الآية الطهر والحيض معاً، بحيث أن المطلقة إن شاءت تربصت ثلاثة أطهار، وإن شاءت تربصت ثلاثة حيضات، لأن اللفظ لا يدل على هذا بأي طريق من طرق الدلالة.
وكذلك الحال في نصوص القوانين الوضعية إذا ورد فيها لفظ مشترك بين عدة معان لغوية، ولم يبين الشارع المعنى الذي أراده منه، وجب الاجتهاد في تعيين المعنى، إما بواسطة نصوص أخرى في القانون، وإما بالرجوع إلى قواعد التشريع، ولا يصح أن يراد من لفظ مشترك في نص أكثر من معنى واحد، لأن اللفظ المشترك ما وضع إلا لمعنى واحد ولكنه دائر بين اثنين أو أكثر.